سورة فاطر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
{الحمد للَّهِ فَاطِرِ السموات والأرض جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} قد ذكرنا فيما تقدم أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر، ونعم الله قسمان: عاجلة وآجلة، والعاجلة وجود وبقاء، والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء أخرى، وقوله تعالى: {الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السموات والأرض وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإيجاد، واستدللنا عليه بقوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} [الأنعام: 2] وقوله في الكهف: {الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} [الكهف: 1] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإبقاء، فإن البقاء والصلاح بالشرع والكتاب، ولولاه لوقعت المنازعة والمخاصمة بين الناس ولا يفصل بينهم، فكان يفضي ذلك إلى التقاتل والتفاني، فإنزال الكتاب نعمة يتعلق بها البقاء العاجل، وفي قوله في سورة سبأ: {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وَلَهُ الحمد فِي الآخرة} [سبأ: 1] إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بالحشر، واستدللنا عليه بقوله: {يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرض} من الأجسام {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السماء} من الأرواح {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: 2] وقوله عن الكافرين: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا الساعة قُلْ بلى وَرَبّي} [سبأ: 3] وهاهنا الحمد إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة، ويدل عليه قوله تعالى: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} أي يجعلهم رسلاً يتلقون عباد الله، كما قال تعالى: {وتتلقاهم الملئكة} [الأنبياء: 103] وعلى هذا فقوله تعالى: {فَاطِرِ السموات} يحتمل وجهين:
الأول: معناه مبدعها كما نقل عن ابن عباس والثاني: {فَاطِرِ السموات والأرض} أي شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض ويدل عليه قوله تعالى: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً} فإن في ذلك اليوم تكون الملائكة رسلاً، وعلى هذا فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى، لأن قوله كما فعل بأشياعهم بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب وتيقنه بأن لا قبول لتوبته ولا فائدة لقوله آمنت. كما قال تعالى عنهم: {وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ وأنى لَهُمُ التناوش} [سبأ: 52] فلما ذكر حالهم بين حال الموقن وبشره بإرساله الملائكة إليهم مبشرين، وبين أنه يفتح لهم أبواب الرحمة.
وقوله تعالى: {أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مثنى وثلاث ورباع} أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما زيادة، وقال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة، وبيانه هو أن الله تعالى ليس فوقه شيء، وكل شيء فهو تحت قدرته ونعمته، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما يأخذوه بإذن الله، كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] وقوله: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} [النجم: 5] وقال تعالى في حقهم: {فالمدبرات أَمْراً} [النازعات: 5] فهما جناحان، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة، وفيهم من يفعله لا بواسطة، فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات، ومنهم من له أربع جهات وأكثر، والظاهر ما ذكرناه أولاً وهو الذي عليه إطباق المفسرين.
وقوله تعالى: {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاء} من المفسرين من خصصه وقال المراد الوجه الحسن، ومنهم من قال الصوت الحسن، ومنهم من قال كل وصف محمود، والأولى أن يعمم، ويقال الله تعالى قادر كامل يفعل ما يشاء فيزيد ما يشاء وينقص ما يشاء.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يقرر قوله: {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاءُ}.


{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
ثم قال تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ}.
لما بين كمال القدرة ذكر بيان نفوذ المشيئة ونفاذ الأمر، وقال: {ما يفتح الله للناس} يعني إن رحم فلا مانع له، وإن لم يرحم فلا باعث له عليها، وفي الآية دليل على سبق رحمته غضبه من وجوه:
أحدها التقديم حيث قدم بيان فتح أبواب الرحمة في الذكر، وهو وإن كان ضعيفاً لكنه وجه من وجوه الفضل.
وثانيها: هو أن أنث الكناية في الأول فقال: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} وجاز من حيث العربية أن يقال له ويكون عائداً إلى ما، ولكن قال تعالى: {لَهَا} ليعلم أن المفتوح أبواب الرحمة ولا ممسك لرحمته فهي وصلة إلى من رحمته، وقال عند الإمساك {وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} بالتذكير ولم يقل لها فما صرح بأنه لا مرسل للرحمة، بل ذكره بلفظ يحتمل أن يكون الذي لا يرسل هو غير الرحمة فإن قوله تعالى: {وَمَا يُمْسِكْ} عام من غير بيان وتخصيص بخلاف قوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} فإنه مخصص مبين.
وثالثها: قوله: {مِن بَعْدِهِ} أي من بعد الله، فاستثنى هاهنا وقال لا مرسل له إلا الله فنزل له مرسلاً.
وعند الإمساك الإمساك قال لا ممسك لها، ولم يقل غير الله لأن الرحمة إذا جاءت لا ترتفع فإن من رحمه الله في الآخرة لا يعذبه بعدها هو ولا غيره، ومن يعذبه الله فقد يرحمه الله بعد العذاب كالفساق من أهل الإيمان.
ثم قال تعالى: {وَهُوَ العزيز} أي كامل القدرة {الحكيم} أي كامل العلم.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
ثم قال تعالى: {يا أيها النَّاسُ اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ} لما بين أن الحمد لله وبين بعض وجوه النعمة التي تستوجب الحمد على سبيل التفصيل بين نعمه على سبيل الإجمال فقال: {اذكروا نِعْمَتَ الله} وهي مع كثرتها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد، ونعمة الإبقاء.


فقال تعالى: {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله} إشارة إلى نعمة الإيجاد في الابتداء.
وقال تعالى: {يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض} إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرزق إلى الانتهاء.
ثم بين أنه {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} نظراً إلى عظمته حيث هو عزيز حكيم قادر على كل شيء قدير نافذ الإرادة في كل شيء ولا مثل لهذا ولا معبود لذاته غير هذا ونظراً إلى نعمته حيث لا خالق غيره ولا رازق إلا هو.
ثم قال تعالى: {فأنى تُؤْفَكُونَ} أي كيف تصرفون عن هذا الظاهر، فكيف تشركون المنحوت بمن له الملكوت.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8